16‏/1‏/2011

أحياء تنبض بالحياة..وأكلات مازالت بالبال

هنا جلست الحاجة كنون إسترقت أشعة الشمس التي تسلسل خلسة الى دارها فيما كانت تهم لصلاة الصبح،تأهبت إرتدت فستانها المزركش بالألوان القروية،وإنصرفت الى قطاف التبغ،لم تنس الحاجة كنون ان تأخذ معها زادها ليومها التبغي الطويل،حملت معها الكش البلدي،والزيتون واللبنة المقعزلة إضافة الى خبز المرقوق الشهي وإنطلقت،على حمارها نحو حقلها في الحارة الشرقية قرب سهل الميذنه،هناك كان الحاج رُبيع ينتظرها،كان يحرث الحقل ويحضر المساكب ليزرع البقدونس والخس والفجل،كانت حياتهما تبنض بنض كفررمان،بنض الفلاح المكافح الذي يجمع بين الحقل والمنزل والحياة الإجتماعية،وما إن يغرق الشمس في أتون البحر حتى تعود الحاجة كنون الى دارها،تعد للسهرية تحت شجرة الجوز الكبيرة،فالجيران ينتظرون السهرية لتبادل الحايا والأقاصيص والروايات الكفرمانية،ففي تلك السهرية تعرف كل اخبار البلدة،التي كانت تضج بالحركة ليلا نهارا...
فجأة سكن الصمت ذاك المنزل الذي تحول خربة،فقط الذكريات تسكنه،ذكريات صامته لا أحد يسمعها ولا يبالي لها،فهي تحاول أن تخترق الباب لكنها لم تفلح،شجرة
الجوز ترخي بظلالها على المنزل الذي لم يبقى منه سوى أطلال منزل خال من الحياة،ولكنه لا زال يحوي مقتنايات  قديمة من الكوارة التنكية الى الخزائن القديمة،بقربها يقبع منزل أسعد رشيد،دار قديم ولكنه يعج بالحياة،حجار قديم مصقولة أعيد ترميمها وتجميلها،أعاد الحياة للدور القديمةالتي كانت تصخب فيها الحياة القروية،في ذاك الحي القابع قرب الجبانة،زواريب ضيقة وبيوت متلاصقة،الباب يكاد
يكون على الباب كما تقول الحاجة فاطمة حمزة،التي تستقبلك بضحكة مشرقة،تركض فجأة الى داخل دارها القديم
 
والعدس ورز أكلة تقليدية قديمة تثابر على طبخها،لم تنقطع عنها،فهي صحية وطعمها شي جدا،وأفضل بكثير من الوجبات السريعة الذي ينكب الشباب على اكلها اليوم،في داخل المطبخ الصغير تقف تقلب بالعدس والرز"غالبا ما أطبخ على الحطب،وفي فصل الشتاء أكثر،بسبب الصوبا الحطب"،تقول:"أكاد لا انقطع عن تلك الاكلات من المجدرة الى عدس بسلق،الفاصوليا وكل تلك الاكلات التي علمتني إياها والدتي الله يرحمها"،ترمي بكلماتها على الطبخة التي تحركها،قبل أن تعمل على إعداد الكشك وجبة الفطور الصباحية الأشهى عندها،في منزلها تختلف الحياة،منزل قديم،تقليدي،ولكنها يضج ويعبق بأريج الحنان والحب والإلفة،ولكن ما يعز بنفس فاطمة حمزة"هو تغير معاير الحياة،منذ عشر سنوات وأنا أقطن في هذا الحي لي ستة أولاد،ولكن الذي تبدل هو أنشغال الناس بهمومه الحياتية،فبعد ان كانت نسوة الحي يجتمعن كل صباح على شرب القهوة أو تبادل الحكايا،انصرفن كل منهم للانتباه لامور مغايرة"...ولكن الحياة داخل ذاك الحي جميلة تعيد اليك رمق الحياة،لانك تتعرف على قصص
جديدة،ووجوه لم تعتد أن تراها،نسوة ينغمس داخل المنازل،فيما أولاد يتلهين بالدراجات الهوائية،وحده ذاك المنزل القديم تموت داخله الحياة..

ليست هناك تعليقات: