29‏/1‏/2011

الحياة بالنسبة اليه..قصيدة

تتناثر حياته كأوراق الخريف... تتطاير تسقط أرضا،أوراق صفراء ذابلة تفيض من القلب جرعات حزن،تلمسها بين كلماته التي يرصها بإتزان ثاقب،فتولد بين يديه قصيدة ترسم حالته انه أبو سهيل الشاعر الذي ما كان في باله أن يكون شاعرا،ولكن صدف الايام وتحدي الحياة جعلته عاشقا للكلمات التي تتزاوج معه .. هو شاعر مختلف عن كل الشعراء.. لا يتقوقع داخل إنبوب القلم..ويتقمص شخصيته..بل على العكس هو فلاح يمتشق أريجها الذي يتسرب الى عقله،ومنه يخرج الى الحياة،

ترعرع في بيئة فلاحة،تأثر بها وولدت لديه عشق الأرض،كان في الحادية عشر من عمر حين إالتحق بالمدرسة،تفوق في دراسته،وإكتشف داخل المدرسة موهبته الشعرية التي غالبا ما كان يهرب من همومه اليها،فهي مفتاح السعادة بالنسبة إليه.

الحياة بالنسبة الى أبو سهيل قصيدة،وهو المترجم لها مع منجله والمنكوش،يعيش بين الكلمة والارض يحلم يغرد يهدأ فجأة يخلق الوليد"حين وجدتك" الذي كتبها لكفررمان "جسد كل التفاصيل فيها بالكلمة".."حين أكتب أشعر أنني ملكت الدنيا هناك تزواج بيني وبين الشعر وكيف لا وهو متنفسي الوحيد من تآوهات الحياة علني أغير عبره مجراه لصالحي،يصمت ثم يقول "الشعر ليس مهنة ولا قار،ولا مصلحة يعتاش منها المرء"،وكأنه يحاول أن ينتشل الكلمة من مآزقها "فهي وقعت في هاوية التطور" تزداد حسرته وهو يتحدث عن إنحدارها "عجبا لجيل لا يفهم فيه الكلمة الشعرية" ومع ذلك لم يتراجع ولم ينكفئ عن نظم خيوط الشعر في قالب سلس سهل "اكتب لأفرج عن أساريري ولاعبر عن شعوري وعواطفي لاحكي عن وجعي وتعبي عن تأثراتي"،أسمعت الناس او لم تسمع.. اهتمت ام لا.. اقيم لي امسية شعرية ام لا..كله لا يهمني...ما يهمني ان اكتب فقط.. اوراقي معي في جيبي وهذا يكفيني،فالحقل مهلمي لأرسم سطور الشعر بألواني أنا،الشعر الذي كلفتني في صغري مشاجرتي مع والدي".

تدمع عينيه وهو يروي قصة عشقة وتعلقه بالكلمة التي تقف "عند حدود منزله لانه لا يوجد من يهتم بالكلمة في زمن لا معنى للكلمة"، يمضي وقته بين الكتب تارة وبين الأرض طورا،إذ ينبلج الفجر مع ابو سهيل على قصيدة وتغيب الشمس على وقع كلمة ينطلق بها،يمضي وقته مترنحا ما بين الكتاب والحقل،أنسيه الوحيد القلم،يرتمي في أحضانه ويخط عبره لوحات الحياة بألوان متناثرة أحيانا، ومتحدة في بعضها،يشرد بعيدا عن زمانه الى أول قصيدة خطها " في العام 1958 بدأت صفصفة كلام ما كنت اعرف انه شعر ام لا،كنت أتناقله قبل المدرسة فيما يسمى "الرادة" وهي نوع من انواع الزجل،شبيه بالعمام على العمام،،وحين كنت في الثالث ابتدائي،تحداني ابو غالب بعلبكي،إذ قال لي في اخر السنة سأنال علامة على الموسيقى افضل منك لان والدي نظم لي قصيدة جيدة،حرت ماذا أفعل،وكيف سأكتب قصيدة،قررت ان اعمل شيئ فكتبت ثلاث ابيات زجل "ما لقيت بالدنيا متل لبنان ....بلاد المجد والعز والايمان....رب السما غطى الاشجار... صنوبر وغار وعرر وسندان....وقت الامتحان أنشد ابو غالب قصيدته،وانا أجدت الابيات،فأعجب الاستاذ سامي الجوني الله يرحمه،بهم وحصدت أعلى علامة" بفخر يقول تلك الكلمات قبل أن ينصرف الى ذاكرته مجددا...

يقف أمام صورة قديمة،يعلقها على جدار غرفته،ينظر اليها طويلا،قبل أن يحلق مجدادا الى العام 1959 "في هذا العام كتبت اول قصيدة شعر فصيح،كان النهار "عيد" ايقظني والدي،طلب مني الذهاب الى رعي البقرات قبل الذهاب للعيد،ذهبت الى اخر كفررمان،قرب منزل موسى داوود،القلم والورقة كانا رفيقيّ،جلست على صخرة وخطيت كلمات مازالت راسخة في ذهني "يا ايها العيد.. ان العيد اشكال تمنيات..واحلام وامال ...يوحي الى الناس افراحا تسر بها.. اما لنفسي فاحزان وزلازال..." وهذه كانت اول تجربة لي بالادب،والثانية كانت في اثناء العدوان الثلاثي على مصر 1956،وفي العام 1961 كتب قصيدة عن الانفصال بين سوريا ومصر،وفي ال 1967 انحنيت للقضية، في العام 1983 "خطيت "حتى وجدتك" جسدت فيها كفررمان والقيتها في مهرجان الحنين الى الميذنة

تأثر ابو سهيل بالشاعر القروي،وبالشعر المهجري من جبران الى ايليا ابو ماضي،رشيد سليم الخوري،ومخائيل نعيمة،"تنفرج اساريري حين اقرا لهم لانهم تركو وطن يحترق وغادو الى المهجر لأنهم كتبوا الشوق والوجع الذي يذوبني"،يتناول جرعة شعر لكي تنتعش روحه "لا يمكن أن اعيش دونها، فالكلمة غرامي والقلم سلاحي كتب عن المجتمع،الناس،واقع الحال الذي نعيشه،القضية التي تغزلت بها،كتبت عن لبنان وقلسطين وعن الحركات الثورية حتى قال لي استاذي بكير عليك حملت الهم باكرا،ولكن حين تتسلل الكلمات الى مخيلتي فأحيكها بدقة فتخرج قصيدة مفعمة بالحياة"،

نذرأبو سهيل الى قلمه للبوح بعذابات القضية التي عشقها وكتب لها عساها يوم تنتفض وتنصفه،له كتاب واحد ولكن في جعبته الكثير من القصائد التي لم تخزن في كتاب،لان المجتمع لا تعنيه الكلمات لي تجربة طبعت ديوان حصاد العمر-الجرح المقاوم وكنت اسعى لتخليد كتابتي في حصاد العمر ولكن يبدو ان الحلم بات مستحيلا،سجلت بورصة أبو سهيل الادبية العشرات من القصائد الذي كان يامل أن تدك في حصاد العمر،ديونا يجمع تاريخه الشعري ولكنه لم يتمك الا من بث جزء أول من حصاد العمر هو الجرح المقاوم،أما بقية القصائد والتي كان أخرها قصديدة عن السيدة عن السيدة زينب وعن الامام الحسين،فإنها ماتزال في الادراج لأانه كما يقول أبو سهيل"يبدو أن الحلم مستحيل ولكن الاهم انني لن أنقطع عن الكتابة لأنها أضحت ملاذي الوحيد لتنفيس غضب الايام".

ومن قصائده الذي كتبها لحفيدته

"قصيدة لحفيدته

حفيدتي عصفورة لا تشبه الطيور

صغيرة لا يتعدى عمرها الشهور

طروبة كالبلبل الصداح في البكور

لعوبة يضيق بها مهدها الصغير

وما لها ريش ولا اجنحة العصفور

ولكنها من مرح توشك ان تطير

تغريدها يوقظنا قبل بزوغ النور

والبيت مملكتها تملئه حبور

وان تنم كأنها الملاك في السرير

سبحان من صورها واحسن التصوير

لها فم كبرعم وشعرها حرير

ووجنة وردية منها الحلا يفور

ومقلتان زهرتان كعيون الحور

ان زغردت او زقزقت يغمرنا السرور

او فرفرفت تغرق في فرشها الوتير

وان شكت فكلنا حاشية الامير

وان بكت فانه انذارها الاخير



يقلب عبد الله علي احمد صفحات كتابه،وهو يقف أمام نافذته الشعرية،يغوص في رحلة عكس الزمن،في طائرة الذاكرة الى بداياته الى حيث كان يصفصف الكلمات ويرشقه على طريقة "الردادة"،قبل أن يتعلم القراءة"كان الشعر أيامي يتيما،لا ام ولا اب له،فقط كان الشهر الزجلي سائدا، كان يردده موسى حمزة،وجواد حمود،ولكنه يأسف لأنه لم يرسخ زجلهما في كتاب،إذ كان هناك القلة التي تقول الزجل،فيما كانت تنشط حلقات الردى التي تعقد في سهل الميذنة ومن بينهم علي خليل ابو زيد وعلي حيدر ضاهر ويوسف الحج يعقوب ضاهر حسن دوود هادي ابو زيد وحسن خليل محيدلي وحسن صالح"،وانا كنت اول من خط الشعر الادبي المقفى.

ليست هناك تعليقات: